"بهارات الحياة"... حين أحببت نفسي ونجوت
مقدمة:
الحياة لا تأتي كما نُخطط، ولا كما نحلم. تأتي كما تربيّنا عليها الأيام، وكما تُعيدنا التجارب إلى أنفسنا بعد أن نكون قد تاهت خطانا في طرق الآخرين. وبين محاولات العطاء، والانكسار، والرجوع، تتشكل حكايتنا... التي تُخبرنا في كل مرة أن الحب الحقيقي يبدأ من الداخل.
أحيانًا... لا أحد يشعر بي
كنت دائمًا تلك التي تعطي أكثر مما تملك، وتحب أكثر مما يُحتمل. أُرهق نفسي في السماع والمساندة، وأقنع قلبي أن سعادتي تكمن في سعادة الآخرين. لكن الحقيقة؟ أحيانًا... لا أحد يشعر بي.
كنت أقدم لهم كل شيء، بينما لا أحد يلاحظ غيابي عن نفسي. وكم هو موجع أن تتكئ على حائط ظننته ثابتًا، ثم تجد نفسك تسقط بلا صوت. أشعر بالانكسار، أحيانًا بصمت، وكأنني شق صغير في زجاجة لا يراه أحد، لكنه يجعلها تنكسر يومًا ما.
ومع ذلك، ما إن أشعر بانكساري حتى أبدأ في لملمة ذاتي. أعود لما تربيت عليه: أن الله هو من يرمم هذا الانكسار. الله فقط، لا بشر، لا كلمة، لا موقف.
أكره ذاك الانكسار، أكرهه بمرارة، لكنني أدركت أنه لولا هذا "الشرخ" المؤلم، لما وجدت نافذتي نحو الضوء. فالحياة لا تعتدل إلا بخليط الحلو والمر... وهذا ما بدأت أتفهمه.
الكعكة لا تكون كعكة دون بهاراتها
تخيّلي الدنيا ككعكة مغرية بالشوكولاتة والفراولة والكريمة. شهية جدًا، لكن... كم من الوقت ستستمرين في أكلها قبل أن تفقد طعمها؟
الحياة مثلها، تحتاج إلى نكهات متنوعة. قليل من الزعل، بعض التحديات، ضغوط مادية، مشاعر متضاربة... كلها "بهارات" تجعل الحياة حقيقية، متوازنة، وتمنحنا طعمًا مختلفًا لكل شيء.
تعلمت أن الخلافات بين الزوجين، أو بين الناس عمومًا، لا تعني نهاية العلاقات. بل أحيانًا تكون مجرد إعادة ترتيب للمشاعر، فرصة لفهم أعمق. ليست المسألة في أن يعتذر أحدهم، بل في أن تُفتح نافذة للحوار.
حتى في العلاقة الجسدية بين الزوجين، هناك تفاصيل أكبر من الجسد. هناك احتياج روحي، رغبة في الاحتواء، في الطمأنينة، في أن نكون حقيقيين بلا خوف من الحكم.
نحتاج في علاقاتنا إلى مزيج من النضج، والفكر، والإحساس... وإلا فلن تثمر.
العلاقة الزوجية... شجرة تحتاج إلى العناية
العلاقة بين الزوجين ليست لحظة، ولا عادة، بل مشروع إنساني طويل. مثل شجرة: جذورها الصدق، وساقها الاحترام، وأغصانها التفاصيل اليومية، وزهورها تلك اللحظات التي نشعر فيها أننا مفهومون. أمّا ثمرتها... فهي الأمان.
وتمامًا كما تُروى الشجرة، تُروى العلاقة بالمبادرات الصغيرة، بالكلمة الطيبة، باللمسة الحنونة، حتى بالجماع الذي يتجاوز الجسد إلى الروح.
ليس العيب في أن نمرّ بفتور، أو صدام، أو حتى رغبة في الابتعاد المؤقت. العيب هو أن نترك العلاقة تتآكل بصمت دون ترميم. أن نتجاهل احتياجات الآخر، أو نستهين بصوته الداخلي.
حين بدأت أحب نفسي، بدأت أستوعب أن الحب الذي أحتاجه من الآخرين لا يعوّض النقص في حبي لذاتي. وبدأت أفهم أن "النجاة" لا تعني غياب الألم، بل القدرة على معايشته دون أن يُمحيني.
الخاتمة:
أحببت نفسي... فبدأت أراني، وأرى الحياة بشكل مختلف. أحببت نفسي... فأصبحت أُشع الحب لا أستجديه.
أحببت نفسي... فنجوت.
والآن، حين أقف أمام مرآتي، أبتسم. لا لأن كل شيء مثالي، بل لأنني لم أعد أخشى الانكسار. عرفت كيف أرمم نفسي، وكيف أختار نكهة الحياة التي تناسبني.
وإن كانت الحياة "كعكة"... فأنا من سأُضيف لها البهارات التي تُشبهني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق