وأصبحنا أنا وابنة عمي كالغريبتين!

 حينما كنت صغيرة، وبينما كانت أمي تسرح شعري، كنت غالبا ما أبكي، لأنها تشد شعري بقوة وهي تربطه بذلك الخيط المطاطي، وحينما أصرخ معترضة أو متذمرة كانت تتجاهل صراخي، وتشد شعري من جديد لكن بغيض هذه المرة وهي تقول، لكي يبقى ثابتا ولا يسقط ويفسد التسريحة، ذلك لأن أمي تنافس زوجة عمي على من تصنع تسريحة أجمل لابنتها، كما تنافسها في أي شيء آخر مهما كان تافها، لكن شعري كان ناعما جدا، لدرجة أنه من الصعب أن يتم تسريحه وعقده، سرعان ما تسقط الربطة مهما بلغت شدتها، وكنت أعرف جيدا أنها ستسقط، وكانت أمي تعرف ذلك، لكنها تشدها لتبقى ثابتة لأطول وقت ممكن، على أقل تقدير لتبقى ثابتة خلال الدقائق التي سأعبر فيها أمام جدتي لأبي، وزوجة عمي، من المهم أن يرين كيف سرحت أمي شعري، وكيف اعتنت بي، ومن المهم أيضا أن أبدو جميلة وأ،يقة ونظيفة تماما كابنة عمي التي هي في نفس عمري تقريبا، 




قصص بنات قصيرة

كان شعرها كثيفا، وسميكا، كل التسريحات تناسبه، ودائما ما يحتفظ شعرها بالتسريحة لأيام وليس فقط لساعات، لكنها في الوقت نفسه لا يمكنها أبدا ترك شعرها بدون ربطه، لأنه سينفش ويصبح كالسحابة فوق رأسها، كانت ابنة عمي تفضل تلك اللحظات التي تترك شعرها حرا طليقا بلا ربطة، حتى وإن بدا شكله مضحكا لم تكن تهتم، كانت طفلة وتريد أن تلعب أيا كان مظهرها، مثلي تماما، حيث لم يكن مهما بالنسبة لي أن يكون شعري مربوطا، المهم أن يكون في وضع مريح لألعب، لكن والدة ابنة عمي، كانت تشعر بالخجل والعار والإحراج من طبيعة شعر ابنتها، التي ورثتها عن والدها، وهي لا تريد أن تقع ابنتها في منافسة غير منصفة معي من حيث من هي الأنعم شعرا، لذلك تبقي شعر ابنتها مربوطا حتى حينما تنام، ولا تفكه أبدا إلا لتعيد تسريحه، 

كانت ابنة عمي تتذمر كثيرا، كما كنت أنا أيضا أتذمر، من تلك المنافسات الصامتة المؤلمة التي لا تتوقف بين أمي ووالدتها، أما جدتنا لأبوينا، منافسات لم نكن نفهم في طفولتنا سرها، أو سببها، أو الفائدة منها، وكنا للأسف ندفع ثمنها، 

كانت أمي تطلب مني أن أذاكر بجد واجتهاد ليس لأصبح متفوقة، وإنما لكي أحرز علامات أعلى من ابنة عمي، لا تريد أن يقال بأن زوجة عمي تعتني بابنتها دراسيا أكثر من أمي، كانت أيضا تعلمني كيف أتصرف مع جدتي لأبي، يجب أن أجعلها دائما فخورة بي، معجبة بسلوكياتي وإحترامي للعادات والتقاليد، يجب علي دائما أن اذهل أقارب أبي، وأتفوق على ابنة عمي في كل شيء، 

في المقابل كنت أرى كيف تجتهد ابنة عمي من ناحيتها في إذهال جدتي، ليس لأنها تريد ذلك، ولكن لأن والدتها تحثها على أن تفعل، كنا نعيش أنا وابنة عمي صراعا خفيا، لا يخصنا، وليس لنا فيه ناقة ولا جمل، لكننا ندفع ثمنه يوميا من صحتنا، أعصابنا وبرائتنا، كان علي أن أبقى متحفزة دائما ومستعدة للحط من شأن ابنة عمي، في أية مناسبة سانحة، لكي أفوز عليها في التقدير العائلي، وكانت هي في المقابل تشحذ همتها وتبقى متيقظة لتقتنص كل فرصة لها للحط من قدري، 

كنت اشعر في قر ارة ذاتي بالشفقة عليها والأسى من أجلها في كل مرة أفوز فيها عليها، وكنت أرى في عينيها الحزن كلما حققت هي نقاط لصالحها ضدي، لم نكن سعيدتين بما كنا نفعله، لكننا في الوقت نفسه في منافسة، لعبة خطرة لا يمكن أن نستسلم فيها أو ننسحب، فسياط ألسنة أمهاتنا ستقرع آذاننا بالتوبيخ والتقريع حالما نستسلم أو نشعر بالهزيمة، 

واليوم بعد أن كبرنا، .... 

أشعر في أعماقي بالحنين لابنة عمي، ورغبة في أن أصارحها بكل ما كنت أشعر به حينما كنت أغيضها أو استفزها، أو أحط من قدرها أو أحبطها، أشعر برغبة شديدة في داخلي للإعتذار عن تصرفات لم تكن بإرادتي، وعن أفعال لم تعبر لها يوما عن مشاعري، فأنا في قرارة ذاتي كنت ولازلت أحبها، كما لو كانت أختي الشقيقة، وكنت دائما ما أحلم بعلاقة مختلفة لي معها، فكم تخيلت أننا نلعب معا بهدوء، ونتسامر، ونضحك، ونبادل الأسرار كما تفعل الشقيقات ...

لقد تزوجت وانتقلت إلى بيت زوجها، وتزوجت أنا أيضا وأعيش في بيت زوجي، ألتقى بانبة عمي في المناسبات فقط، فعلاقتنا لم تحصل يوما على أية فرصة لتتطور، لكني في كل مرة ألتقيها ألمح الحزن في عينيها، وأريد أن أقدم لها اعتذاري، لكني لا أجرؤ، أشعر بالخجل وأخشى أن تحرجني، في عينيها حنين لي، أشعر به أو أنه يهيأ لي، لا أعرف، فرغم كل ما كنا نفعله لنرضي أمهاتنا كانت لنا أيضا ذكريات جميلة معا، 

يخالجني شعور دائم بالذنب، لا أعرف كيف أتخلص منه، أشعر بالذنب لكل الإساءات التي وجهتها لها يوما، حتى حينما تكون ردود أفعال تلقائية مني مقابل إساءتها هي لي، لكني أيضا أشعر بأني كنت أبالغ في ردة فعلي، حتى لا أكون الخاسرة وأخيب آمال أمي، 

سامحك الله يا أمي، وسامحك الله يا زوجة عمي، لقد جعلتماني أنا وأبنة عمي كالغريبتين!!!!


المصدر:

 


حساباتنا على مواقع التواصل الإجتماعي





ودمتي بخير


أحدث أقدم

نموذج الاتصال