قصة: كنت أبيه يحبني مثل ما أحبه

  احب زوجي لحد الجنون، احب زوجي واشتاق له، كيف أخرج زوجي من تفكيري، تعلقت بزوجي كثير، علاج تعلق الزوجة بزوجها، زوجي مل مني ماذا افعل، حبيت نفسي، حب النفس، كيف أحب نفسي، كيف أستعيد زوجي؟، 

كنت أبيه يحبني مثل ما أحبه

أتذكّر نفسي قبل كم سنة… كنت أبچي بحرقه، وأسأل نفسي كل ليلة: ليش زوجي ما يحبني مثل ما أحبه؟ مع إنه مو مقصر بشي، كل شي يوفي فيه كزوج… بس أحس كل اللي بينّا صار واجب، ما فيه مشاعر، ما فيه دفء، بس روتين بارد.

كنت أقول يمكن يحب وحدة غيري؟ يمكن فيه وحدة ثانيه يدلعها ويهتم فيها؟ وأنا بس زوجته اللي يعيش معاها عالورق!

حاولت أفهم، دورت حلول، حاولت أعدل، بس أربع سنين وأنا أحوس في نفس الدوامة… وكل يوم الوضع يسوء، وكل يوم الشرخ يكبر بينا، لين ما صرنا مجرد شخصين عايشين مع بعض… مجاملة، تأدية واجب، بس من داخل؟ كل واحد فينا يكره الثاني.

أنا كنت أبغي أحطّمه، مثل ما هو حطّمني… ما كنت أفتكر بأي شي غير إن قلبي مكسور، وإنه سبب تعاستي، فكنت أبحث عن أي فرصة أوجعه فيها… مو لأني شريرة، بس لأني موجوعة.

كان يحرم علي الفرح… كل شي يعرف إني أحبه أو أتمناه، كان يرفضه… دراستي رفضها، المنحة الجامعية منعني منها، حتى بطاقات المكافآت اللي وصلتني، ما خلاني أصرفها، وخلاها تروح… والسبب؟ بس عشان ما أفرح، عشان يضمن إني أظل حزينة.

وأنا؟ كنت أسوّي مثله. هو إذا جلس يشوف تلفزيون، عصّبت عليه: "تشوف حريم وتطنّشني؟"، وإذا جلس على اللابتوب: "أكيد تدور على بنات!"، السوق؟ لازم أمشي معاه مثل العسكري، عينه ما تروح لا يمين ولا يسار، وإذا راح الأكل؟ ودي أكسره بالكلام، حتى لو كان تعبان: "آه، رجعت شبعان؟ ليش تعبت نفسي وطبخت؟"

النوم؟ صرت أحرمه حتى من راحة راسه… "تنام؟ وأنا من يقعد معاي؟!" وأنا أصلاً من النهار نايمه أو عند صديقاتي، والعصر قدّام التلفزيون، ومن المغرب للكمبيوتر… بس لما هو يبي يريح، أصير حنّه وخصام.

وشو كانت النتيجة؟

  • كره متبادل

  • تحطيم نفسية من الطرفين

  • كلمات قاسية، حتى لو ما سبني، كنت أزيدها

  • هو يطنّش، وأنا أحترق

لمهم… حياتي كانت مثل "سلطة"، كل شي مخلّط، ما فيها استقرار، كل شي متداخل، وكل شي مشوّش، ليل على نهار، مشاكل على نكد، ولا عمرها كانت مرتاحة.

لين يوم… فاجأني بكلمة هزّت كياني:
"أنا قررت أتزوج."

قالها بكل هدوء… وأنا من داخل انفجرت.

"من حقه"، صح؟
يبي يرتاح من النكد، يبي يلقى له حياة جديدة هادية… بس أنا؟ أنا كنت مشتعلة من القهر!

قلتله: "شلون تتزوج وأنا مو محصلة منك حتى حقوقي؟"
قال: "أنا ما قصرت معاج بشي… شوفي عيشتچ، وشوفي غيرچ شلون عايش… احمدي ربچ."

وسكت… وأنا سكت، وجلست ثلاث ساعات بلا صوت.
لا دمعة نزلت، لا حرف نطقته، بس داخلي كان صراع.

كنت قاعدة في بيتي… نظرت حواليني،
قصر
غرفتي؟ غرفة ملكة
أغراضي؟ من أغلى البراندات، ماركات عطور، ميك آب، شنط… كل شي عندي، كل شي تمام.

بس "أمير القصر"؟
ما له أثر…

وينه؟
ضاع من إيدي، بسبب نظرتي السوداوية، بسبب نكدي، بسبب أسلوبي… عيشته بجو كئيب، ظلم، مشاكل، خنقة.

هو اختار يهرب…
اختار يعيش بعيد عن الدمار النفسي اللي سبّبته له.
اختار الزواج.

وقتها سألت نفسي:
شلون أحبّه وأنا مسببت له كل هالوجع؟
الإجابة كانت صادمة…
أنا كنت أحبه… بس حب تملك
مثل ما أمتلك كل شي، كنت أبي أمتلكه، أخليه لي، مثل أغراضي، بس هو إنسان… وما رضى يعيش بهالطريقة.

المشاكل كبرت… النكد صار روتين… والهم ما فارقنا.

بس بعد طول بحث وتفكير وصراعات داخلية…
لقيت الحل!

الحل كان:
إني أعيش!
إني أرجع حق نفسي
إني ما أخليه محور كل حياتي
إني أشتغل على سعادتي
إني أتركه حر… مثل ما هو أساسًا حر
ياكل لما يبي
ينام متى ما يبي
يشوف اللي يبي
وأنا؟ أكون بخير، مهما صار

بدأت أهتم بنفسي
أطلع
أفرح
أضحك
أستمتع
أعيش
وما أنسى ذكر الله في كل خطوة

ومع الوقت…
بعد ست شهور بس، تحوّل زوجي من رجل يكرهني ويتضايق مني…
لواحد يتبعني وين ما أروح، يحبني، يشتاقلي
وصار يهتم فيني، مثل ما أنا صرت أهتم فيه، بس من مكان مختلف… من قلب صافي، مو من تملك.

لما قرر يترك "قصري الوردي" ويحوله لمكان أسود كئيب…
أنا قررت أرجع له لونه الوردي.

قررت أرجع لنفسي
أشوف الخلل فيني
أعترف بغلطاتي
أكسر عنادي
وأنهي نواياي السيئة

كنت دايم أفكر إن سالفة زواجه مجرد تهديد، لين يوم…
جاتني أخته، وقالتلي بصراحة:
"أخوي قال لي أخطب له… وكلم أمي، بس أمي رفضت، قالت ما أبي مرتك تدعي عليك… شوف غيري."

وقفت قدامها… نظرت فيها وابتسمت، قلت:
"البيت خربان من زمان يا بنت الأجواد… اخطبي له، واللي الله يكتبه بيصير."


جلست ذاك اليوم مثل اللي تضيع منه الدنيا كلها،
تدور على أي خيط، أي نور، أي شيء تمسك فيه قبل ما تنهار تمامًا.

طالعت بيتي من جديد…
ولأول مره، شفت لون جدرانه!
لون وردي… هادئ، ناعم، دافي
وقتها استوعبت إن بيتي مو "مجرد بيت"،
هذا بيتي أنا، وفعلاً… من أجمل البيوت.

عيوني وقعت على ركن كان دوم يعشقه،
ركن صغير فيه قفص عصافير،
كان يحب يفطر فيه الصبح، يحب صوتهم، يحب النور اللي يدخل من الشباك ويغسل المكان.

بس الركن صار ميت…
مثل قلبي… مثل زواجي.

بكيت… بكيت بحرقة
على اللي راح، وعلى اللي جاي، وعلى أي وحدة غريبة بتدخل هذا البيت وتعيش فيه بعدي.

ولأول مره، صرخت بصوت قلبي:
"بيتي وزوجي… والله أحبكم، وماراح أسمح لأحد ياخذكم مني!"

رجع وقت العشاء،
لقاني ساكته، حزينة، بس العشا كان جاهز
وهو؟ كان ساكت بعد… حزين، تفكيره مشغول.

تدرون ليش؟
لأن أخته قالت له "شفتها ووافقت، وقالت اخطب لأخوك، واللي الله كاتبه بيصير."

سألني: "اختي زارتچ اليوم؟"
قلت: "إي."

هو تعشى… أما أنا، بس شربت عصير ورحت أنام، قبله.
دخل الغرفة، قرب مني، قال: "نمتي؟"
ما رديت.
طفّى النور ونام، يفكرني نايمه… وهو ما يدري إن قلبي محترق!

جلست بصمت…
ساعة كاملة وأنا أتنفس وجع، لين قلت:
"ليش ما أقوم أصلي قيام الليل؟"

صار لي سنين ما صليته…
مضيعة عمري بهالدنيا، بمشاكل وهم، وقلبي بعيد عن ربي.

قمت… صليت،
وبكيت له،
واشتكيت له،
وقلت:

"يا رب، لو زواجه خير له ولي… فوفقّه.
ولو فيه شر… فابعِده عنه.
أنت الأعلم بقلبي، والأعلم بحالي، يا رب… دلّني."

وهو قام راح للمسجد…
رجع لقاني نايمة، وأنا فعلاً نمت بعد بكاء طويل.

جلس كعادته يقرا قرآن، لبس، وطلع للدوام.

الساعة تسع، صحيت.
شي غريب صار… لأول مرة من أربع سنين،
أنا أتصل عليه الصبح!

قال:
"خير؟ صار شي بالبيت؟"

قلت: "لا"
قال: "تبين شي؟"
قلت: "بطلع السوق"
قال: "ليش؟"
قلت: "أبي شي"
قال: "أوكي… روحي"

ورحت!

رحت وأنا في قلبي نار تبيني أغيّر…
بس مو أغيّره هو… أبي أغيّر أنا!

رحت اشتريت عصافير…
ورود بكل الألوان…
أسماك لحوضنا الميت بإهمالي…

رجعت البيت،
حطيت العصافير بنفس الركن اللي كان يحبه،
ودبت الحياة…
رجعت الروح لزاوية كانت ميّتة.

وزّعت الورد بكل مكان،
رشّيت ريحة طبيعية حلوة،
حطيت الأسماك بالحوض، شغلت النور، صار البيت كأنه حديقة…
رجعت له جماله، رجعت له الحياة اللي ضاعت.

مو عشانه… لا،
عشاني أول، ثم عشانه، ثم علشان نعيش، مو نموت ببطء كل يوم.

حسيت إنه حتى لو ما أقدر أوقف زواجه،
لازم على الأقل أوقف حزني، أوقف انهياري… أوقف تقصيري بحقي.

رجع الساعة 2:30،
دخل… استغرب من المنظر
دورني… ما لقاني
ناداني… ما رديت
كنت نايمه

دخل غرفتنا، شافني نايمه، راح تغدى، بعدين رجع ينام.

العصر، قام
لقى الشاي مجهز بالركن اللي يحبه
سأل الشغالة: "وين المدام؟"
قالت له: "طلعت، وحطت لك رسالة"

الرسالة كانت:
"حبيبي، أنا رايحه لأبوي، تعبان شوي…"

اتصل… رديت
سألني عن أبوي
قلت: "الحين زين"

قال: "تبين شي؟ أنا رايح المكتب"
قلت: "سلامتك"

قال:
"شفاه… حلو العصافير"
قلت: "أدري… ما عليه، حبيبي، بسكر، جانا ضيف، وسكرت بسرعة"

ما كنت أبي أطول بالكلام
ما كنت أبي يسمع رعشة صوتي
ولا يشوف دمعة فيني تنهار قدام أهلي

وهذي كانت ليلة من الليالي اللي مستحيل أنساها، مو لأنها كانت مميّزة بس، لكن لأنها كانت آخر ليلة نحس فيها ببعض، آخر ليلة يكون فيها قلبي على قلبه بدون حواجز ولا ناس بينّا. صحيت الصبح قبله، جلست أتأمله وهو نايم، حسيت إن الدنيا كلها واقفة، وإنه لو اختفى من حياتي، كل شي بيختفي معه.

قمت وسويت له فطور، بس قلبي ثقيل، خطواتي كانت باردة وأنا أحط الصحون على الطاولة. لما قام من نومه، كان صوته هادي، فيه نبرة حزن خفي، وكأنّه حاس بقلبي، بس ما نطق. قعدنا نفطر سوى، ولا كلمة بينّا، بس عيونه كانت تراقبني وأنا أتهرب بنظراتي.

بعد الفطور، لبس وراح دوامه، وأنا جلست على الكرسي بالممر، أطالع الباب اللي طلع منه وأقول: هل بيرجع لي نفس الشخص؟ ولا بيرجع غريب له قلب ثاني وحب ثاني؟

مرت ساعات اليوم ثقيلة، حاولت ألهي نفسي بالكتب اللي شريتها، رتّبت مكتبتي، غيرت ترتيب غرفتي، وكل هالتغيير وأنا أدور شي يخليني أنسى، أو يمكن يقنعني إن الحياة ما راح توقف عنده.

وقبل المغرب بشوي، وصلتني رسالة منه:

"مساء الخير، بجي متأخر شوي، لا تنتظريني بالعشاء."

حسيت الدنيا تدور فيني، مو لأنّه تأخر، بس لأنّي عرفت إنّه الحين قاعد يعيش لحظات الخطوبة، يمكن يضحك، يمكن يسمع له كلمة حلوة، يمكن أحد قاعدين يمدحون العروس قدامه، وأنا هنا... وحدي.

رحت المطبخ، سكّرت القدور، طفيت الأنوار، ورجعت غرفتي. لبست بيجامتي، وجلست على سريري أطالع السقف. حاولت ما أبكي، بس ما قدرت، نزلت دموعي وأنا أقول: ليش يا ربي قلبي يحبّه لهالدرجة؟ ليش كل شي فيه يوجعني؟

قرب منتصف الليل، فتح الباب، دخل البيت بهدوء، ولا كأنه كان في يوم خطوبته، طالعني وأنا على السرير، وقال بصوت خافت:

— "شفاه، ما نمتي؟"

هزّيت راسي بلا، قال:

— "سامحيني على التأخير."

ابتسمت له، بس من جوه كنت منهارة.

قرب مني، جلس جنبي، وبيده وردة صغيرة، وقال:

— "جبت لك هالوردة، بس ما أدري إذا تستاهلين أكثر، ولا أقل."

قلت له وانا أمسك الوردة:

— "يكفيني إنك لسه تذكرني."

ونمنا مع بعض، بس قلبي ما نام. كنت أضمه، وأدعي، وأقول: يارب، إن كان فيه خير لي، فخلّه لي، وإن كان في بعده راحتي، فصبّرني عليه.

نمت جنب شخص قلبي يحبه، لكن مستقبله مو لي، ونمت على دمعة... ما ودي أحد يشوفها غير الله.


ضحكت غصب عني يوم قريت رسالته:
"ردي يا أم كرشه 😂"
يا الله، كيف قلب علي الجو من قهر وفراغ وشك... لضِحكة وكلمة خفيفة طلعت من قلبه، وكأن الدنيا رجعت تدفي شوي.

فتحت الجوال ولقيته متصل فوق 45 مرة!
رسائل ورا رسائل، "وينك؟"، "ردي"، "تكفين لا تسوين فيني كذا"،
وآخر شي:
"أنا بالطريق، لا تبدين بدونّي" ❤️

حسّيت قلبي يرجف، مو من الحمل، ولا من المفاجأة...
من ردّة فعله، من لهفته، من خوفه إني أكون زعلانه أو متضايقة.

جهزت الطاولة، وضبطت آخر اللمسات، ولبست فستان واسع ناعم، يعكس جوّ المناسبة، عطر خفيف، وملامح هادئة لكن فيها فرحة خايفة تطلع كلها دفعة وحدة.

دخل البيت، فتحت له الباب، وطاح وجهه من الانبهار!
عيونه كانت تدور بكل ركن، يشوف البالونات، الهدايا الصغيرة، ألوان الزينة، والكيكة اللي على شكل بيبي.
وقف عند الباب، ساكت، مو قادر يتكلم.

قلت له:
— "حياك الله في حفلة عمرها ما تنعاد، اليوم يومك، لأنك صرت... أب."

لف عليّ، عيونه مليانه دموع وهو يقول:
— "صدقيني؟! حامل؟!"
قلت له:
— "إيه، وهذا البيبي جا بالوقت اللي كنت أحتاج فيه شي يرد لي روحي."

ضمّني، والله إن حضنه ذيك اللحظة مسح كل تعبي، كل دمعة نزلت، وكل كلمة جرحتني من بعد الخطوبة.

قعدنا نتعشى سوا، ونحكي عن الطفل، وعن الأسماء، وعن كيف راح نغير نمط حياتنا.
ولأول مرة من شهور، شفت بعينه لمعة الأمان، لمعة شخص مستعد ينسى الدنيا عشان بيته.

وقال لي بنص العشاء:
— "ما توقعت إنك تسوين كذا... بس بقولك شي: تراكِ اليوم رجّعتيني لأول شفاه... البنت اللي وقعت في حبها من أول مرة دخلت بيتي."

كملت عيوني الدموع، بس هالمرة مو من القهر... من الفخر، من الأمل اللي رجع لي، من لحظة حسّيت فيها إنّي ما خسرت، لكني كنت على حافة الخسارة ولحقت نفسي في آخر لحظة.


طلعت من العيادة وقلبي يرقص، مو بس عشان تأكد إنه "ولد"، لا... عشان أول مرة من شهور أسمع: "صحته زينة وصحتك زينة."
تغير وجهي من التعب للفرح، حسّيت روحي تنتعش، وودّيت أطير له البيت وأزف له الخبر بطريقتي.

ركبت السيارة، ودموعي تنزل من الفرح.
كنت أقول في نفسي:
"هذا ولدي... سندي الجاي، فرحي الجاي، شي ما يشاركني فيه أحد، حتى لو شاركتني فيه الدنيا كلّها."

وصلت البيت، دخلت بشويش، حطيت صورة الأشعة بظرف، وكتبت عليه:
"رسالة من بطن أمك... افتحني يا أبوي!"

ولما رجع من دوامه العصر، استقبلته بوجه مبتسم وقلت:
— "جايك ضيف من العيادة."
قال: "مين؟"
قلت له: "افتح الظرف، بيعرّف نفسه."

فتحه، وسكت شوي... ثم رفع عيونه لي، ودموعه على طرف رمشه، وقال:
— "ولد؟ ولد ياشفاه؟"
قلت له: "إيه، ولدك... جاك رجال يشبهك."
قال: "الله لا يحرمني منكم... والله يا شفاه إنك غير، وكل يوم أندم إني فكرت أبتعد عنك حتى لحظة."

حضنني، وقال:
— "ما أبيه يعرف معنى كلمة 'قهر'، ولا 'زعل'، ولا 'أب مشغول'، بوعدك أكون له أب ما شاف مثله."
قلت له: "بس لا تقصر فينا، نبيك لنا قبل لا نكون له."

مرت الأيام، وكأن الزمن يداويني شوي شوي...
العروس؟ صارت هامش... وجودها صار ما يأثر مثل أول، لأن قلبي اليوم مليان بإنسان ثاني،
واحد ينبض جوّي، ويعلّق كل آمالي الجاية على صوته وضحكته.

زوجي تغيّر، ولاحظت إن البيت صار عنده أهم من أي مكان ثاني...
حتى يوم الخميس، اللي كانت تجهّز له فيه أطباقها ونواشفها وكنافة أم جوز الهند، صار يقول:
— "أنا اشتقت لطبخة شفاه، اشتقت لجلسة الصالة عندنا، اشتقت لريحة بيتنا."

وانا؟ كنت أجهز له طبخه المفضلة، وألبس له فستان واسع أنيق، وأخليه يحس إن البيت هذا فيه امرأة، مو مجرد زوجة، فيه قلب يحتضنه حتى لو الدنيا كلها ضده.

في يوم سألني:
— "وش ناوي نسميه؟"
قلت له: "سميّه أنت."
قال: "أسميه على اسم أبوي... بس أخاف تزعلين؟"
قلت: "تسميه على اسم اللي يريح قلبك، أهم شي ما تسميه على اسم وحده من معارفك هههههه."
ضحك وقال: "تغارين؟"
قلت له: "لا... أحمي."


رجعت للبيت وأنا أحس الدنيا خفيفه على قلبي... بس ما كنت أدري إن الغيمه السوده تنتظرني عند الباب.
سبحان الله، ما لحقت أتهنى، دق جوالي قبل يدخل زوجي بدقايق، كانت أخته على الخط، صوتها مرتبك وقلبي بدأ يدق بسرعه.

قالتلي بكل برود:
— "شفاه، ما أدري كيف أقولك... بس شكله بيتزوجها!"
قلت: "مين؟"
قالت: "العروس... اتفقوا على كل شي، باقي يحددون الموعد."
صرخت بدون ما أحس:
"لاااااااااااااااااااااا!"
وطحت على الأرض.

ما حسّيت بشي، بس اللي سمعته من زوجي بعدين إنه دخل علي ولاني على الأرض، وأنا أصرخ ما بين وعي وغيبوبه، حاول يقومني ما قدرت، حملني وركض فيني المستشفى، وكان مثل المجنون.

الدكاترة قالوا:
— "الضغط مرتفع، والسكر مش طبيعي، والمشكلة الأكبر إنها حامل بالشهر السابع... نخاف يفقدون الاثنين."

قالوا لازم ولاده عاجله، بس البنج خطير، والضغط نار.
وزوجي؟
يقول:
— "طلعت من الغرفه، أدور مكان أتنفس فيه، حسّيت المستشفى يخنقني... رحت أتصل بالكل... أمها، أبوها، أمي، أبوي، أخوي، حتى زميل لي بالدوام... ما أدري أبي أحد يقولي إن شفاه بخير."

أخوه قال له:
— "اذكر ربك، بتفرج."
قال:
— "من قال بتفرج؟! يمكن تضيع من يدي!"
ركض للمسجد، صلى ركعتين، ورفع يده للسما، وقال:
"يارب، لا ولد، لا زوجه ثانيه، لا شيء، أبيها بس، بس خليها لي!"

ورجع للمستشفى، لقاني مفتحه عيوني، الضغط نزل شوي، والممرضات يقولون:
— "الحين ممكن نسوي العملية، بس ننتظر شوي يمكن تتحسن أكثر."

دخل علي، وعيونه منتفخه من البكاء، قال لي وهو يمسك يدي:
"شفاه، الله يخليك، ساعدي نفسك، أنا ما أبي أخسرك... والله ما أبي غيرك."

وقتها حسّيت بجسمي يستجيب، وبعقلي يوقف عن الحرب، وقلبي يتكلم:
"ما دام بعدني يبيك... ما راح أستسلم."

صحيت ثاني يوم، السكر نازل، الضغط يتذبذب، بس حالتي أحسن.
دخلت علي أخته، وجهها كأنها شايله جبل، قالت:
— "أنا آسفه، والله ما كنت أقصد، ما كنت أدري إنها بتأثر فيك لهالدرجة."
قلت لها:
— "ما صار شي... هي نهايه متوقعه لكل خطوبه، بس أنا المفروض كنت أقوى."

بس جوّاي، كنت أقول:
"أنا ما تهزمني خطوبه، ولا عروس، ولا ألف واحدة، دام قلبي ينبض وفي بطني ولد، أنا أم الأمل، وراح أعيش له."

المهم... أهل العروس محددين الزواج بعد أسبوعين، وهو قال لهم:
"لا... عقب الولاده."

انقلبوا عليه!
الزعل والهوشات قامت...
قالوا:
— "شنو يعني تنتظرها؟ خلاص البنت جاهزه!"
قال:
— "ما يصير... زوجتي تعبانه، وما أقدر أعرّس وقلبي هناك."

وقتها أنا عرفت...
اللي بقلبي مو بس زوج، هذا رجل، سند، وأب.


المشكلة بين زوجي وأهله كبرت بشكل مو طبيعي، وصار ما يرد على جواله أبداً. وقال لهم جملة وحدة:
"إذا تبون عرس بعد ما تولد زوجتي، ما عندكم إلا أنتم!"

مرّت ثلاثة شهور وأنا على وشك الدخول في الشهر التاسع، وكان السكر عندي غير مستقر، وكل يوم فيه ألم ومعاناة، ما في راحة.

قبل بيومين من بداية التاسع، تفاجأت بزيارة من العروس وامها. بصراحة كنت خايفة من الزيارة، وحسيت بشوية توتر. قالت لي أمها:
— "أكيد تعرفينا."
قلت:
— "أكيد، تفضلوا."
قالت:
— "أكيد بنفضل البيت بيتنا."

شفت نظرتها وايد مستفزّة، وما كانت تتكلم غير بنظرات محتقرة، وقالت أمها:
— "شفاه، العرس بيصير بعد ولادتك بيومين."
قلت:
— "أدري."
قالت:
— "لكن ما تعرفين ليش أنا هنا."
قلت:
— "أمري شو تبين؟"
قالت:
— "أبيك تولدين في بيت أمك، تعرفين بنتي عروس والكل بيزورها، وإنتِ بيكون عندك ولادة، هذا بيخرب علينا فرحتنا."

نظرت لها بشكل محترم، وقلت:
— "من اليوم لوقت الولادة كل شيء بيكون تمام، باقي تقريبا شهر."
قالت:
— "وش قصدك يعني؟ تاخذيني على قد عقلي؟"
قلت:
— "العفو يا خالة، أنا مو خالتك، احترمي نفسك إذا كنتِ جالسة، وإذا ما عجبك، اطلعي برا."

عصبت علي، وسحبتني من الكرسي، وقالت:
— "أنتِ اللي برا، مو أنا."
دفتني على الأرض، وكل الشغالات هرعوا علي، وكان الألم لا يوصف، حسيت بوجع شديد في الحوض. كانت العجوز تصرخ، والمشكلة كانت في أنني كنت على الأرض، وما كنت أقدر أتحرك من شدة الألم، وكان عندي نزيف.

في اللحظة هذه، اتصلت الشغالة بأمي، وجاءوا بسرعة، وبدأوا يحاولون يوقفون النزيف. أخوي اتصل بالمستشفى، وطلبوا سيارة إسعاف على الفور. كنت في حالة حرجة، وحاول زوجي الاتصال، بس كان ما يرد. وبصراحة كنت خايفة من التصرفات اللي ممكن يعملها إذا عرف.

ولدت في الصالة، وطلع ولدي للنور في وقت كنت فيه في حالة صعبة. بعد ما قصوا الحبل السري، أخذوني بالأسعاف، ووصل زوجي وكان يركض جاي، وجدتني ولدت، وكان ولدي بخير.

قال لي:
— "شو صار؟"
قلت له:
— "تعبانة، ما أقدر أتكلم."

ظل معاي، واهتم فيني وفي وليدي، لكن ما كان يدري عن الشي اللي صار قبل الولادة. رجع للبيت، وكالعادة، رحبوا فيه الشغالات، وهو كان يسألهم عني، وقالوا له:
— "تمام، جابت ولد."
ومع الوقت، واحدة من الشغالات راحت تبكي، وقالت له:
— "الله يسامحهم، عمته وزوجته ما كان فيهم خير."

زوجي اتصل فيني وقال:
— "شفاه، هل هذا صحيح؟"
قلت:
— "شو اللي تسمعه؟"
قال:
— "إنه عمتي جات البيت."
قلت:
— "حصل خير، حبيبي، أنا بخير، وولدي بخير الحمد لله."
لكن كان واضح أنه ما كان راضي عن الوضع، وكان معصب. حاولت أهدّيه، بس هو كان عصبي، وكان خايف إنه يسوي شي ممكن يندم عليه.

فجأة، قال لي:
— "أنا طلّقتها."


قلت:

— "شو؟ طلقتها؟"


قال:
— "إيه، طلقتها. ما كنت أريد كل هالمشاكل، كان الموضوع كله يزيد همي. رحت، صليت استخارة، ورحت لها، وأعطيتها مهرها وكل شيء، والحمد لله الموضوع انتهى."


والله، اختلطت الأمور عندي، ما كنت أدري إذا أفرح أو أبكي. الصراحة، حزنت على نهاية البنت، لكن في النهاية قلت: "قدر الله وما شاء فعل." وقلت الحمد لله أن الأمور انتهت بهذا الشكل.

ثاني يوم، زوجي زارني الصباح. قلت له:
— "ما كنت أريدك تتهور."
قال:
— "أنا تهورت يوم قررت أتزوج، كان المفروض أساعدك تغيرين نفسك، لكن بصراحة، صرتي أفضل وأعقل مني بمليون مرة."
قلت له:
— "يعني لو رجعتِ مجنونة، بتتزوج؟"
قال:
— "ثلاث بيوم واحد."
قلت:
— "خلاص، بصير عاقل. وهذه أنا الحمد لله عاقل، وحامل بعد!"
ضحك وقال:
— "وسلومي، عمره خمس شهور، بس."

مادري، الدنيا تضحك لنا أحياناً، ونعيش فيها متغيرات، لكن كل شيء في وقته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق