أحببت نفسي وتغير كل شيء,احببت نفسي فاجمع الكل على حبي,احببت نفسي فنجوت,
أحببت نفسي... فتغيّر كل شيء
كان ذلك الشعور الذي لم أكن أستطيع تسميته. شيء يشبه الانكسار الصامت، شعور بالخذلان لا يأتي من الخارج فقط، بل من داخلي أيضًا. كنت أستيقظ كل صباح وأرتدي قناع القوة، أتحرك خلال اليوم وكأنني بخير، أُحسن الدور، أبتسم حين يُفترض بي أن أبتسم، وأواسي من حولي وأنا أكثر من يحتاج إلى من يربت على كتفي ويقول: "هل فكّر أحد فيكِ اليوم؟"
طوال سنوات، كنت أعيش لنيل رضا الآخرين. كنت أفتش عن ملامح القبول في أعينهم، وأعتبر تقييمهم لي مرآتي الوحيدة. حتى تعبت... لا من الناس فقط، بل من نفسي التي لم أعد أعرفها.
كنت أظن أن حب الذات كلام فارغ، رفاهية لمن أنهى التزاماته تجاه الحياة. لم أكن أفهم أنني أستحق أن أكون أول من يُحاط بالحب، أنني لست خادمة للعالم كله إلا نفسي.
كانت اللحظة المفصلية بسيطة... لكنها هزتني. نظرت لنفسي في المرآة طويلًا، لكنني لم أرني. رأيت وجهًا مرهقًا، عينين تطلبان الرحمة، وكأنهما تسألانني: "لماذا تُهملينني؟ أين ذهبتِ بي؟"
في تلك الليلة، كتبت لنفسي رسالة. لا أعرف لماذا، فقط شعرت أنني أحتاج أن أكتب. قلت فيها:
"أنا آسفة. لأنني لم أدافع عنكِ. لأنني كنت أقسو عليكِ أكثر من العالم. لأنني أجبرتُكِ على الصمت حين كان من حقكِ أن تصرخي. أعدكِ من اليوم أن أحبك، بكل ما فيكِ. لن أتخلى عنكِ، مهما حدث."
كانت تلك أول مرة أسمع صوتي الداخلي بوضوح. لم يكن غاضبًا كما ظننت دائمًا... كان حزينًا فقط. وحين منحته الحب، بدأ يتكلم، بدأ يدلّني على ما أحتاجه فعلًا، لا ما تعوّدت عليه.
بدأت أغيّر أشياء بسيطة: أن أقول "لا" دون ذنب، أن أرتاح دون أن أُبرر، أن أختار ما يُشعرني بالسلام، حتى لو خالف توقّعات من حولي. أصبحت أسمح لنفسي بالاستمتاع، بالراحة، بالاحتفال حتى بأصغر إنجاز.
والمذهل؟ كل شيء بدأ يتغير فعلاً. رؤيتي للحياة، نظرتي لنفسي، حتى طريقة تعامل الآخرين معي. وكأن العالم كان يعكس ما أراه في داخلي. كنت أراها قاسية، فكانت قاسية. وحين بدأت أراها رحيمة... بدأت تبتسم.
لم يتغير العالم الخارجي كثيرًا، لكنني أنا تغيّرت. وهذا كان كافيًا. لأنني حين أحببت نفسي... تغيّر كل شيء.
أحببت نفسي... فأجمع الكل على حبي
في الماضي، كنت أُرهق نفسي في محاولات لا تنتهي لأكون "مقبولة"، "محبوبة"، "مرضية" للكل. أتقمص أدوارًا لا تشبهني، أشارك في أحاديث لا تعنيني، أضحك في مواقف لا تضحكني، فقط لأحصل على بضع لحظات من الرضا الزائف. كنت أعيش في فقاعة ترضية الآخرين، وظننت أن الحب يُمنح لمن يُنكر ذاته.
لكن عندما بدأت أحبني، بدأت أُغيّر هذه المعادلة. لم أعد أخجل من قول "هذا لا يناسبني"، "أنا لا أحب هذا النوع من الأحاديث"، "أنا أحتاج إلى وقتي الخاص"، وكم كانت هذه الكلمات ثقيلة في البداية! كانت تشبه التمرد، لكنها كانت ولادة جديدة.
وبطريقة لا تُصدق، بدأ الناس يلاحظون شيئًا مختلفًا فيّ. لم أعد تلك التي تُجامل على حساب راحتها، لم أعد أضحّي بصمتي لأشارك في ضجيج لا يُشبهني. أصبحت صادقة في اختياراتي، واضحة في مواقفي، هادئة في ردودي. لم أعد أُحاول أن أكون جميلة في أعين الآخرين، بل أصبحت جميلة حين أحببت صورتي الحقيقية.
ومع هذا التغير، تغيرت نظراتهم. حتى من لم يفهمني في البداية، عاد يتقرب بحذر، يُنصت لي باهتمام، يُقدر وجودي بطريقة مختلفة. لقد أحببت نفسي بصدق، فصار من حولي يشعرون أنني لست بحاجة لأن أحبهم لأشعر بالكمال، بل أنا أحبهم من امتلاء… لا من نقص.
واحدة من أجمل اللحظات التي شعرت فيها بهذا التحول كانت حين قالت لي صديقة قديمة بعد غياب طويل:
"أنتِ صرتِ أهدأ، لكنك أكثر حضورًا. كأنك اكتشفتِ شيئًا في داخلك غير كل شيء."
ضحكتُ وقلت لها: "نعم، اكتشفتني."
ليس سحرًا، بل صدق. حين أحببت نفسي بعمق، بدأ كل من حولي يراني بعين الحب. لأنني لم أعد أطلبه، بل أصبحت أُشعه.
أحببت نفسي... فنجوت
النجاة لا تأتي دفعة واحدة. لا تشبه مشهدًا دراميًا في فيلم ينتهي ببطلٍ يحتفل على قمة الجبل بعد صراع طويل. النجاة أهدأ من ذلك، وأكثر صدقًا. هي لحظة داخلية تشبه الاستفاقة. حين تدركين أن ما كنتِ تظنينه النهاية، كان بداية جديدة فقط لأنكِ نظرتِ للأمر بعينك لا بعين غيرك.
كنت أعيش حياة تُشبه السباحة ضد التيار. أقاوم كل شيء: نفسي، رغبتي، صوتي الداخلي. أُلغي نفسي كل يوم تحت مسمى "الواجب"، "الناس"، "الحياة"، حتى أصبحت لا أستطيع تمييز ما أريده حقًا مما يُطلب مني.
كنت خائفة من الوحدة، من الرفض، من خيبة الأمل، من أن يُقال عني "أنانية" إن أنا اهتممت بنفسي. لكن... حين أحببت نفسي، تغيّر كل شيء. أصبحت لا أطلب من أحد أن يُنقذني، لأني صرت قادرة على احتضان ذاتي.
النجاة لم تأتِ عبر ضجيج الانتصارات، بل عبر لحظات سكون، كنت فيها أبكي وحدي، ثم أمسح دموعي وأُربّت على قلبي وأقول له:
"أنت بخير. أنا هنا معك. هذه المرة، لن أتركك."
حين نجوت، لم يتوقف الألم، لكنّه تغيّر. لم يعد يحطمني، بل صار ينضجني. لم أعد أهرب من المشاعر المؤلمة، بل أفسح لها الطريق لتعبُر، دون أن تسكن فيّ.
نجوت من التعلّق بمن لا يستحق، ومن إدمان المحاولات العقيمة، ومن فكرة أن قيمتي تتعلق برأي الآخرين. نجوت من المقارنات التي أنهكتني، ومن جلد الذات الذي شلّني، ومن تأجيل الحياة حتى إشعار آخر.
أحببت نفسي فصرت أقوى. لا لأني لا أُصاب، بل لأني أُعالج نفسي، أُسامحها، وأمضي بها يدًا بيد.
الآن... حين أرى نفسي في المرآة، أبتسم. لا لأنني وصلت، بل لأنني نجوت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق